وأخيرا تجاوزت الحكومة «المواجهة الاكبر»، وتحصلت وبفارق ضئيل على العدد المطلوب من النواب لقانونية جلسة القسم، وحازت الشرعية المطلوبة دستوريا.
هذا التجاوز الذي جاء بعد معركة حامية الوطيس حبست فيها الأنفاس بانتظار اليقين، الذي تأخر حتى الساعات الاخيرة قبل انعقاد الجلسة، وكانت اهم اسلحته واكبر ميادينه وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدمت فيها كل فنون البلاغة من نظم وشعر وأقوال توضح بجلاء الدورالمتزايد لوسائل التواصل في التأثير على الرأي العام وقيادته وتوجيهه نحو مواقف محددة، وكان المؤشر الأكبر على ذلك لجوء النواب الى تلك المواقع لاعلان مواقفهم من حضور الجلسة او مقاطعتها.
ورغم أن الحكومة نجحت في تجاوز هذه المعركة، وتم لها ما أرادت من انعقاد الجلسة وتمكين أداء اليمين، فإن الأمر يتوقف الان حول التصنيف، الذي وضعته الحكومة لما حصل، وهل تعتبره انتصارا كاملا او نجاة من اصطدام عنيف؟ فإذا كانت الحكومة تعتبر انعقاد الجلسة بهذا الهامش الضئيل انتصارا فإن ذاك خطأ استراتيجي كبير، فهامش الصوت والصوتين لا يعتبر ضمانة في عالم السياسة، ولا يمكن الركون عليه في كل حالات المواجهة المقبلة، وهي متوقعة إن لم تكن حتمية، فضلا عن تكلفته العالية على الحكومة والدولة والمجتمع بأكمله، إضافة الى أن العدد ليس كافيا لمنع تصويت متوقع على عدم التعاون مع رئيس الوزراء، إذ ان الوزراء في هذه الحالات لا يصوتون، ما يعني عدم وجود غالبية تحمي رئيس الوزراء من التصويت على عدم التعاون معه.
لعل المعضلة الاساسية تكمن في تقييم الحكومة للحالة السياسية في البلاد، فهي تتعامل مع البرلمان وكأنه حالة عرضية ومؤقته تماما كالمرض، وليس باعتباره ثابتا من ثوابت الحياة السياسية في البلاد، ولا تتعاطى مع مجلس الأمة على أنه ند وشريك في إدارة البلاد يكون التفاعل معه بشكل دائم ومستمر، لا على نحو مؤقت ومتقطع، هذا المنحى من التفكير موروث ومستقر في الوجدان الحكومي، وهو ما يظهر في سيطرة مواقف ردات الفعل والحلول المؤقتة وتجاوز اليوم بيومه على الأداء الحكومي، وغياب البعد الاستراتيجي في الاداء الحكومي، سواء في علاقة الحكومة مع المجلس او في علاقتها مع المجتمع.
إشكالية أخرى في التقييم الحكومي للحالة السياسية يظهرعندما يعتقد البعض بأنه يمكن استحضار حلول سابقة من أزمنة سابقة أو استجرار ممارسات قديمة لقضايا حاضرة عبر القياس على تجارب سابقة وأحداث جرت في الماضي، وعلى الحكومة وبعد أن اخذت هذه الفرصة إلى المبادرة بانتهاج نمط جديد من التعامل مع المجلس يأخذ بعين الاعتبار كل المتغيرات التي جرت في السنوات الماضية، وأن تقرأ جيدا نبض الشارع حتى تتمكن من البقاء.
المصدر: صحيفة القبس